«من أجل السلام».. نشطاء فلسطينيون وإسرائيليون يناضلون لكسر دائرة العنف
«من أجل السلام».. نشطاء فلسطينيون وإسرائيليون يناضلون لكسر دائرة العنف
اجتمع ناشطون فلسطينيون وإسرائيليون في منظمة "مقاتلون من أجل السلام" كإحدى المبادرات الرائدة في محاولة جادة لكسر دائرة العنف الممتدة لعقود، متخذين من الحوار وسيلة لتحقيق السلام، حيث تضم أعضاءً كانوا سابقًا جزءًا من الصراع المسلح، لكنهم تحولوا إلى النضال السلمي.
ووفقا لموقع أخبار الأمم المتحدة، ضمّت هذه المنظمة مقاتلين سابقين من الجانبين، ممن أدركوا أن السلاح لن يكون حلاً مستدامًا، بل إنه يعمّق الجراح ويزيد من المعاناة.
رُشّحت المنظمة لجائزة نوبل للسلام، ما يؤكد الدور المحوري الذي تلعبه في التقريب بين طرفي النزاع، ودُعي عدد من أعضائها إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك نهاية يناير الماضي من قبل مكتب سيادة القانون والمؤسسات الأمنية، حيث شاركوا في مناقشات حول سبل إنهاء العنف.
قصص شخصية من قلب المعاناة
قدّمت الناشطة الفلسطينية مي شاهين، وهي معالجة نفسية ومتخصصة في حل النزاعات، شهادتها حول التحول الذي عاشته، حيث شاركت شاهين في الانتفاضة الثانية عام 2000، لكنها لاحقًا وجدت في الحوار وسيلة أكثر نجاعة لتحقيق أهدافها، وحي تمتلك خبرة تتجاوز 12 عامًا في مجال بناء السلام، ما جعلها أحد الأصوات المؤثرة في هذا المجال.
شاركها التجربة إليك إلهانان، وهو أكاديمي إسرائيلي يعمل في "سيتي كوليج" بمدينة نيويورك، خدم إلهانان في وحدة القوات الخاصة الإسرائيلية في أواخر التسعينيات، لكن فقدانه لشقيقته في هجوم انتحاري عام 1997 دفعه لإعادة النظر في قناعاته، ووجد في منظمة "مقاتلون من أجل السلام" بيئة احتضنته ومنحته الفرصة للبحث عن بدائل غير عنيفة.
واجه أعضاء المنظمة صعوبات جمّة، خصوصًا في أعقاب الحرب الأخيرة على غزة، تساءل البعض عما إذا كان الحوار لا يزال ممكنًا في ظل التصعيد، لكن مي شاهين أكدت أن التواصل ظل السبيل الوحيد للخروج من دوامة العنف، وشددت على أن الجلوس مع الطرف الآخر لم يكن أمرًا غريبًا بالنسبة لها، بل كان امتدادًا لنضالها السلمي.
وأوضح إليك إلهانان أن المنظمة، رغم الضغوط، استمرت في عملها منذ تأسيسها عام 2005، واعتبر أن الهجمات التي وقعت في 7 أكتوبر 2023 وما تبعها من أحداث دموية شكلت اختبارًا لصلابة المجموعة، لكنه لم يكن الاختبار الأول.
وقال: "على مدى العشرين عامًا الماضية، أصبحت المنظمة مجتمعي.. نحن نحزن معًا ونناضل معًا، وهذا ما يبقينا صامدين".
7 أكتوبر.. يوم غيّر الكثير
عاشت المنظمة أصعب لحظاتها في 7 أكتوبر، أكدت مي شاهين أنه في ذلك اليوم تحديدًا، أدرك أعضاء المنظمة أن عليهم أن يكونوا معًا أكثر من أي وقت مضى.
واجتمع الناشطون في لقاءات مكثفة لمناقشة كيفية تحويل مبادئهم إلى أفعال، امتلأت الاجتماعات بمشاعر الحزن والغضب، لكن الجميع تمسك بفكرة المقاومة السلمية.
وأشارت شاهين إلى أن الفلسطينيين داخل المنظمة خصصوا مساحة لدعم زملائهم الإسرائيليين، الذين فقدوا أقارب وأصدقاء في الهجمات، أوضحت أن هذه اللحظات أكدت أهمية نهجهم القائم على الحوار، باعتباره البديل الوحيد للعنف.
أما إليك إلهانان، الذي كان في نيويورك وقت وقوع الأحداث، فقد شعر بالرعب من الكارثة التي حلّت على كلا الطرفين، قال: "كانت عائلتي تعيش في كيبوتس قريب من الجنوب، وأعرف أصدقاء في غزة.. كنا جميعًا ندرك أن الرد الإسرائيلي سيكون قاسيًا وغير متناسب، وهذا ما حدث بالفعل".
إعادة التفكير في العنف كوسيلة
لم يكن التحول إلى نهج سلمي أمرًا لحظيًا بالنسبة لإلهانان، استغرق الأمر سنوات من التأمل والتجربة، بدأها بعد مقتل شقيقته، أوضح أن الضباط في وحدته العسكرية حثّوه على تجاوز الألم سريعًا والانضمام إليهم في تنفيذ عمليات انتقامية في لبنان.
تساءل حينها عن جدوى الانتقام من حزب الله ردًا على هجوم نفذته حماس، وبدأ يدرك أن العنف المتبادل لن يؤدي إلا إلى المزيد من المآسي.
قال إلهانان: "لم أجد مساحة للتعبير عن حزني في المجتمع الإسرائيلي، لكنني وجدتها بين أصدقائي الفلسطينيين في المنظمة".
أما مي شاهين، فقد دفعها اللقاء الأول مع إسرائيليين خارج الإطار العسكري إلى مراجعة أفكارها، روت أنها عندما التقت بأعضاء المنظمة لأول مرة، فوجئت بأنهم أشخاص عاديون، ليسوا جنودًا ولا محققين عند الحواجز العسكرية.
قالت: "بدأت أفكر في تجربتي وأدركت أنني حتى عندما اخترت المقاومة العنيفة، لم تكن نيتي القتل، بل كنت ضد الاحتلال والجدران العازلة والقمع".
تأثير المبادرة على الساحة السياسية
حقق عمل "مقاتلون من أجل السلام" صدى في بعض الأوساط السياسية، وأوضحت مي شاهين أن المنظمة نظّمت حملة تضامن في أغسطس الماضي، حضرها أعضاء من الكنيست الإسرائيلي، معربة عن أملها في أن ينضم مزيد من صانعي القرار إلى جهودهم.
وأكد إلهانان أن الدعم السياسي للمنظمة لا يزال محدودًا، خاصة في ظل هيمنة اليمين الإسرائيلي على المشهد، وأشار إلى أن الدعم العلني يأتي في الغالب من الأحزاب اليسارية، مثل الحزب الشيوعي وتحالفاته، رغم ذلك، أوضح أن هناك دعمًا صامتًا من بعض السياسيين، لكنه لا يزال غير كافٍ لدفع التغيير المنشود.
أمل رغم التحديات
رغم المآسي التي مرّ بها الطرفان، يظل أعضاء "مقاتلون من أجل السلام" متمسكين بإيمانهم بأن الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء الاحتلال وتحقيق التعايش السلمي، يرى إلهانان أن المنظمة أثبتت قدرتها على الصمود أمام أصعب الاختبارات، ما يمنحه الأمل في مستقبل أكثر عدلاً وأمناً.
أما مي شاهين، فتؤكد أن جهودهم ليست مجرد محاولات نظرية، بل هي خطوات عملية نحو تغيير حقيقي، قالت: "نحن لا نحلم بسلام نظري، بل نعمل يوميًا من أجل تحقيقه"، في ظل واقع دموي معقد، تظل أصواتهم شهادة على إمكانية بناء جسور بدلاً من الجدران.